الاختلاف
سنة من سنن الله في خلقه و لذلك خلقهم، و لا يكاد يخلو شيء من خلق الله من وجود ما
يشابهه في صفة أو صفات أو حتى يضاده جزئيا أو كليا، المهم المسألة مطردة.
و في
الفقه الإسلامي، ما من مسألة إلا و فيها قولان أو أكثر، حتى أنهم يُنكِّتون أن
رجلا ادعى الفقه فما سألوه مسألة إلا و قال فيها قولان حتى سألوه عن وحدانية الله
سبحانه و تعالى فلما قال قولان عرفوا أنه دعي. فمن الحماقة بما كان محاولة حمل
الناس على مذهب واحد في وجود هذا الكم المتنوع من المذاهب و أقوال العلماء القدامى
و المعاصرين، و لقد نبّه إلى ذلك الإمام مالك رحمه الله رحمة واسعة لما استشاره الرشيد
أن يحمل الناس على الموطأ فرفض و قال قولته المشهورة: ) إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وقد
أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم (
لاحظ هذه العبارة )أخذ
كل قوم من العلم ما بلغهم(
كأنه يريد أن يقول خذ من العلم ما بلغك.
و نحن اليوم بلغنا من العلم الكثير جدا، ساعد على ذلك هذه
التكنولوجيا المتطورة من قنوات تلفزية و مواقع إلكترونية و صحف و جرائد و إذاعات،
الكل يفتي و يحلل و يحرم و يناقش و يناظر... المهم أصبحت الأمور متوفرة جدا.
و في الأثر عن الإمام مالك أنه سئل عن أربعين مسألة فقال في ست و
ثلاثين منها لا أدري، ماذا لو سئل أحد علماء اليوم عن نفس المسائل التي قال فيها
الإمام مالك لا أدري؟ أجزم بأنه سيجيب عنها و عن غيرها ليس لأنه أعلم و لكن لأن العلم
بكل أنواعه أصبح في متناول كل الناس إلا من أبى، و لما رفض الإمام مالك حمل الناس
على موطإه مع قلة وسائل نشره في عصره فمن باب أولى أن نعمل برفضه في عصرنا، و هذا
إن دل على شيء فإنما يدل على بعد نظر الإمام لأنه لو وافق لكذبه الزمان، و لكن لأن
الله سبحانه و تعالى حفظ لنا هذا الدين بهؤلاء الرجال فقد سدد خطاهم و حفظهم من مثل
هكذا زلل إلى يوم الدين.
لذلك نقول للذي يريد أن يفرض على الناس مذهب الإمام مالك، نقول له
يقول لك الإمام مالك بلغة العصر إن العلم قد أصبح متوفرا جدا و بكل الوسائل و على
كل المذاهب فلن تستطيع مهما بلغ سلطانك و وسائلك أن تفرض على الناس مذهبا معينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق