الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

استقبال القبلة


   من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة قال الله تعالى:  "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"
و كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس، و يجعل الكعبة خلف ظهره و كان يشق عليه ذلك فجعل يقلب وجهه في السماء عسى الله سبحانه و تعالى أن يجعل له من ذلك مخرجا، و لم يلبث أن جاءه جبريل ـ عليه السلام ـ بالوحي يأمره أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام، قال الله تعالى: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"
و كلمة شطر تعني الجهة أو الناحية كما في المحيط في اللغة لابن عباد شَطْرُ كُلَّ شَيْءٍ: نِصْفُه. و أمرنا نحن أيضا بما أمر به نبينا فقال: "وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"
ثم جاءت الهجرة و معهم النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"
ثم في خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ لما أراد توسعة المسجد النبوي، نادى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ليشهدوا وضع قبلتهم، فقال رجل ذ الله عليه و سلم ـ يوما و هو جالس في مصلاه يقول: لو زدنا في مسجدنا و أشار بيده نحو القبلة، فأخذ عمرـ رضي الله عنه ـ رجلا و أجلسه في المصلى ثم رفع يده باتجاه القبلة و جعل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يخفضون يد هذا الرجل و يرفعونها حتى تيقنوا أنها استقامت على نحو ما أشار إليه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ثم مدوا حبلا فوضعوا طرفه في يد الرجل ثم مدوه فلم يزالوا يقدمونه و يؤخرونه حتى رأوا أنه صار نحو إشارة النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و هكذا وضع عمر ـ رضي الله عنه ـ قبلة المسجد بهذا التحري الدقيق و الحرص الشديد الذي لا يمكن حصوله بعد موت الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين حضروا وضع النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لقبلة مسجده، و شاهدوا إشارته بيده إلى جهة القبلة في الزيادة المؤملة.
هذا أراد توسعة المسجد فقط و كل هذا التحري... !!!
المسجد موجود و موجه إلى القبلة  من عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
إذا لماذا كل هذا التحري من عمر رضي الله عنه!!!؟، و أكثر من ذلك معه جمع من الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين و لم ينكر عليه أحد أو اتهمه بالغلو أو التعصب، أو ربما كان أجدر بهم أو بأحدهم أن يقول مثلا: ما كلفنا الله كل هذا التحري و إنما المطلوب منا فقط أن نتوجه شطر المسجد الحرام كما في الآية، و لو قالوا ذلك لكان لهم عذر معتبر، فلا بوصلة ولا جوجل أرض و لا الموقع المتخصص في تحديد القبلة على الشبكة الذي عنوانه http://www.qiblalocator.com/
ألا يعرفون ـ رضي الله عنهم ـ معنى الشطر ... ؟
لقد كان في وسعهم أن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام و انتهى ... مثلما يتبجح به هؤلاء البناة الجدد للمساجد الذين يحافظون على موازاة المساجد للأرصفة و العمران على حساب الدين و يحتجون بأن الشطر معناه النصف فلا حرج في أن ينحرف المسجد قليلا عن القبلة، أم أن عمر يريد أن يُحرجنا بهذا التحري الشديد للقبلة و هو من أعلم الناس بكتاب الله إذ يقول في محكم تنزيله: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" وليس هناك مكان للحرج البتة مع ما في عصرنا من وسائل يمكن للصغير أن يستعملها فضلا عن الكبير؟ وما انتفعنا بها .. بل رفضناها أو رفضها هذا الجيل الذي تمكن من التحكم في حياة الناس، فلا هم قاموا بما يجب عليهم من المسؤولية الكبيرة التي تجرؤوا على تحملها، و لا هم تركوا الفرصة لغيرهم احتراما لـ: "تلك الأيام نداولها بين الناس" فكان أن "ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السبيل"
فإن لم ننكر عليهم فنحن و إياهم في الإثم سواء، لأن هذا منكر يجب تغييره، ثم ـ قبل ذلك أو بعده لا أدري ـ هذه تعتبر صدقة جارية لهم، و هذا المسجد ـ مسجد النور الذي في وسط بلدية عريب ـ قد يبقى إلى قرون و يموت هؤلاء المسؤولين عن بناءه وتبقى الأجيال تصلي على مسؤوليتهم منحرفة عن القبلة.
قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ  "من دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً" فطوبى لمن مات و ماتت ذنوبه معه.
و حتى يكون الأمر أوضح أدرجت هاتين الصورتين لتوضيح مدى الإنحراف.       

هذه الصورة توضح عن قرب مدى انحراف مسجد النور عن القبلة.

ثم إذا ابتعدنا عن طريق البرنامج لنرى عن بعد المسافة التي تفصلنا عن الكعبة





يعني بتقديري أنا و ليس رقم رسمي حوالي 1300 كلم بعيد عن الكعبة، بحسابات نفس البرنامج، أو بتعبير آخر، هذا المسجد لا يتجه ليس فقط إلى الكعبة بل ولا شبه الجزيرة العربية كلها و كذلك لا إلى القرن الإفريقي حيث الصومال، بل إلى المحيط الهندي تقريبا إلى جنوب إفريقيا
و نفس الشيء ينطبق على مسجد السوق الأسبوعي، يعني نفس الإنحراف.
و عند ذكر مسجد السوق الأسبوعي عندي ملاحظتين أود ذكرهما باختصار.
الأولى: هي مسألة المسجد العتيق في عريب، بعد غلق الزاوية التي كنا نصلي فيها ـ حيث الضريح ـ أصبح المسجد العتيق اليوم هو مسجد القرية، و العتاقة لا تنتقل مع الأشخاص إلا إذا كان هذا يحدث في عريب لأن لا أحد ينكر عليهم أولا و ثانيا حاجة في نفس هؤلاء، يعني مآرب أخرى و لا أريد تفصيل أكثر من ذلك.
و ثانيا: في هذا المسجد فقه جديد لهم فيه السبق، حيث أن الإمام يعرف أن المسجد منحرف عن القبلة ـ و الكل يعرفون ـ وحتى يتدارك الإمام هذا الإنحراف، فهو فقط الذي يتجه إلى القبلة و أما المصلين فيتبعون بناء المسجد، فإذا هذا الإنحراف عن القبلة يجوز للمأمومين فإنه بالضرورة يجوز للإمام، و إذا كان لا يجوز للإمام الإنحراف عن القبلة فإنه بالضرورة أيضا لا يجوز للمأمومين.
و السؤال هو: هل يحمل الإمام شرط صحة عن المأموم؟
الجواب: لا
إذا ما حكم هؤلاء الأئمة الذين يغشون أنفسهم قبل الناس؟
الجواب الذي لم يختلف فيه إثنان من الذين طرحت عليهم هذا السؤال و غيره مثل: ما حكم الصلاة لغير القبلة متعمدا؟
كان الجواب من كل من شم رائحة الفقه أن الصلاة باطلة...
الأئمة و المأمومين يعرفون هذا الحكم كما يعرفون أبناءهم، و مع ذلك يستمرون في الخطأ
يقول الله سبحانه و تعالى: "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا" و في آية أخرى: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا" إلا إذا خافوا أن يقول الناس: " مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا"
        قال لي أحدهم هذه مجرد فتنة و لا داعي لإثارتها، و قد عجز أن يرى أن الفتنة أصلا قائمة و الذي يجب هو الخروج منها بتصحيح الوضع و ليس بهذا السكوت الغير مبرر لا من المسؤولين و لا من المأمومين.
علما بأن مسجد النور لا يبعد إلا بحوالي 270 متر عن الزاوية التي بناها أصحاب الطريقة الهبرية، الخط الأصفر في الصورة خاصية يوفرها برنامج جوجل لتحديد المسافات
 و هذه الزاوية متجهة تمام الإتجاه إلى الكعبة حتى إنه لينطبق عليها مصطلح المسامتة بالرغم من أنها تبعد آلاف الكيلومترات عن الكعبة، و كان يكفيهم ما كفى غيرهم من المتصدرين لبناء دور العبادة عندنا،  وهذه صورتها مأخوذة بجوجل أرض تبين حرص أصحاب الزاوية على توجيهها توجيها صحيحا إلى الكعبة.
سبحان الله، هذا يحدث في بلد واحد
قبلتان متباينتان في بلد واحد
و العجيب من هذا كله و ذاك، الضريح الذي في الزاوية، مات صاحبه سنة 1966م موجه إلى القبلة، وهذا بشهادة أحد تلامذته الذي كان يصلي بنا و سمعته كذا مرة يقول: كان الشيخ رحمه الله يأمرنا أن نصلي في هذا الإتجاه، يعني الإتجاه الصحيح.
من 1966 إلى اليوم يعني 45 سنة فقط كل هذا الإنحراف؟
فكيف منذ 14 قرنا؟
قريب من عهد النبي قال أحد الصحابة: لو بعث النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لما عرف منكم إلا الصلاة ... أنا لا أريد أن أسأل ماذا لو بعث هذا الصحابي اليوم ؟
        قال لي أحد من كبارهم هذه مجرد فتنة و لا داعي لإثارتها، و قد عجز أن يرى أن الفتنة أصلا قائمة و الذي يجب هو الخروج منها بتصحيح الوضع و ليس بهذا السكوت الغير مبرر لا من المسؤولين و لا من المأمومين
"وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا"
و أريد قبل أن أختم أن أتعرض لهذه الكلمة ـ الشطر يعني ـ بشيء من التحليل أراه صوابا
        الذي يصلي في المسجد الحرام لا يجوز له أدنى انحراف عن الكعبة و إلا فصلاته باطلة، أما البعيد مثلنا فمطلوب منه التحري، حتى إذا اطمأن قلبه إلى جهة ما ـ و لو كانت خطأ ـ فلا يجوز له الإنحراف عنها بحال و إلا فصلاته أيضا باطلة
        طيب.. أنا لم أجد نص آخر يلزم الذي يصلي في المسجد الحرام بالمسامتة و الأفاقي أيضا بالتحري جهده حتى يطمئن قلبه يستشهد به العلماء في هكذا مسائل إلا آية الشطر هذه: "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"
إذن كلمة شطر إذا كانت تعني النصف دائما فلماذا نلزم الذي يصلي في المسجد الحرام بالمسامة، و إلا فمطلوب منا نحن أيضا أصحاب الآفاق إذا تبين لنا الإتجاه الصحيح للقبلة أن نفهم من الشطر المسامتة و ليس النصف.
اللهم إن أصبت فيما كتبت فمنك و إن أخطأت فمن نفسي و من الشيطان " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب"  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق