الجمعة، 5 أكتوبر 2012

فتنة التجارة


أعطى الله سبحانه و تعالى للتجارة اهتماما خاصا من دون المهن و قرنها في آخر سورة الجمعة باللهو: "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" الآية 11 و اللهو تحبه النفس كثيرا فكيف إذا كان مع جمع المال؟ لا شك أن المتعة تكون أكبر.
و من خلال تجربتي
ـ المحدودة ـ في هذا الميدان فإن متعة البيع خاصة إذا كانت السلعة رائجة فإن التاجر قد تثقل عليه الصلاة لما يرى إقبال الزبائن، و أعرف من التجار من يؤخر العصر و المغرب إلى العشاء لأنها ساعة الذروة و يزيد إقبال الناس على الشراء أكثر من أي ساعة أخرى من النهار، لذلك و الله أعلم قال الله سبحانه و تعالى: " رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ" النور 37 سماهم رجال مثل قوله في آية أخرى: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" الأحزاب 23 فكلمة رجال في هذا السياق لها وزنها، كأني أفهم منها ليس كل المؤمنين رجال، أو على الأقل الرجولة تتفاوت من شخص إلى آخر و تصل إلى أدنى مستوياتها في الذين قال عنهم: " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" الجن 6 فهؤلاء أيضا رجال لكن فعلهم هذا غير مقبول عند الله، فالرجولة هنا غيرها هناك و يؤيد ذلك قوله في سورة الصف: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" الآية 2 حتى  المؤمن قد يقول غير الذي يفعل، لكن ذلك لا ينزع عنه صفة الإيمان، بل إن الإيمان يزيد و ينقص و يتفاوت من شخص إلى آخر، قال الله سبحانه و تعالى: " وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا" فأقل الإيمان أن يؤمن الإنسان بالله و ملائكته و كتبه و رسله إلى آخر ما جاء في الحديث، و من أعلى درجات الإيمان الذين جاء وصفهم في أوائل سورة الأنفال: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا" الآيات 2، 3 و 4 قال عنهم مؤمنون حقا، أما الآخرون أيضا مؤمنون لكن بدرجة أقل.
فالمؤمن الحقيقي هو الذي لا يفوت وقت الصلاة لأجل عرض من عروض الدنيا الزائلة، قال الله سبحانه و تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" استدل ابن تيمية رحمه الله بهذه الآية على أن الصلاة إذا خرج وقتها عمدا لا تُقضى، لذلك و الله أعلم خص الله سبحانه و تعالى التجارة بالذكر من دون المهن، و ليس كما يقول البعض لأن قريشا كان تعتمد في إقتصادها بالدرجة الأولى على التجارة، و إلا فكل دول العالم و كل الحضارات عبر التاريخ تعتمد اعتمادا كبيرا على التجارة.
سبب آخر يعزز لماذا خص الله سبحانه و تعالى التجارة بالذكر، و هو أن أغلب المهن الأخرى ـ إذا لم تكن كلها ـ يمكن أن تُمارس من الفجر إلى الظهر أو إلى العصر و إذا كان الأجر فيها إلى آخر الشهر فليس فيها ابتلاء مثل التجارة، الزبائن يتدافعون و داعي الله ينادي حي على الصلاة، فالذي يغلب نفسه في هكذا فتنة جدير بوصف الرجل.
سبب آخر و كفى به سبب، و هو فقه البيوع، الحلال و الحرام في البيع و الشراء، فالإسلام اهتم كثيرا بتبيين ما يجوز و ما لا يجوز في التجارة، و لكي يطبق الناس أحكام البيع و الشراء جعلت الشريعة رجل مسؤول عن السوق إسمه المحتسب، هذا الرجل يراقب السوق و لا يسمح بالمخلفات الشرعية، و لقد صدق عثمان رضي الله عنه حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" فالناس في السوق اليوم لا يعرفون شيء عن هذه الأحكام، و من يعلمهم؟
فالذي يريد شراء شيء بالطريقة الشرعية يجد صعوبة كبيرة، و قد يخرج من السوق و لا يشتري بعض الأشياء التي جاء من أجلها، فكيف بالذي يبيع و هو سائر اليوم في السوق، و يريد أن يطبق أحكام البيوع ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق